Page 75 - التربية الأسرية في هدي الشريعة الإسلامية
P. 75

‫‪‬‬

‫و إ�ن�صافه وحلمه‪ ،‬قال ابن العربي‪ :‬وك�أنه �إنما لم ي ؤ�دب الكا�سرة ولو بالكلام لما‬
‫وقع منها من التعدي؛ لما فهم من �أن التي أ�هدت أ�رادت بذلك �أذى التي هو‬
‫في بيتها والمظاهرة عليها‪ ،‬فاقت�صر على تغريمها للق�صعة"(((‪ ،‬وقال �أي�ض ًا‪" :‬وفيه‬
‫الإ�شارة إ�لى عدم م�ؤاخذة الغيراء بما ي�صدر منها؛ ألنها في تلك الحالة يكون‬
‫عقلها محجوب ًا ب�شدة الغ�ضب الذي أ�ثارته الغيرة"(((‪ ،‬وقال القا�ضي عيا�ض‪" :‬قال‬
‫الطبري وغيره‪ :‬الغيرة من الن�ساء م�سموح لهن فيها‪ ،‬وغير منكر من أ�خلاقهن‪،‬‬
‫ولا معاقب لها؛ لما جبلن عليه من ذلك‪ ،‬و أ�نهن لا يملكن �أنف�سهن عندها‪ ،‬ولهذا لم‬
‫يزجر النبي عليه ال�صلاة وال�سلام عائ�شة ولا رد عليها"(((‪.‬وهذا الكلام دقيق‪ ،‬أ�لم‬
‫تر كيف �أن النبي ‪ ‬عذر الكا�سرة مع قبح فعلها أ�نها أ�تلفت ال�صحفة بح�ضوره‪،‬‬
‫فوقع الطعام الذي فيها على الأر�ض؛ لأنه علم غيرتها‪ ،‬كما علم ق�صد المهدية في‬
‫إ�غ�ضاب �ضرتها‪ ،‬كما �أنه أ�بدل المهدية �صحفة مكان �صحفتها التي ك�سرت جبراً‬
‫لخاطرها‪ ،‬ولئلا تحمل على �ضرتها الكا�سرة‪ ،‬فتحدث بينهما مخا�صمة‪ ،‬وقوله ‪:‬‬
‫(غارت �أمكم) تمثل منهج ًا راقي ًا في التعامل مع ا ألحداث‪ ،‬يعلمنا فيه النبي ‪‬‬
‫أ�همية البحث عن الدوافع والأ�سباب؛ ف إ�ن الدافع له أ�ثر كبير في تف�سير الفعل‪،‬‬
‫والدافع هنا لكلا المتخا�صمتين هو حب النبي ‪ ،‬ولا ينبغي أ�ن يكون الحب‬

                  ‫�سبب ًا للإ�ساءة �إلى المحبوب‪ ،‬ولا يجزى ا إلح�سان بال�سيئة‪.‬‬

                                                    ‫((( فتح الباري‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬ج‪.126/5‬‬
                                                           ‫((( المرجع ال�سابق‪ ،‬ج‪.325/9‬‬

                                              ‫((( إ�كمال المعلم‪ ،‬القا�ضي عيا�ض‪ ،‬ج‪.224/7‬‬

‫‪} 75 { ‬‬
   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80