لطالما كان لسلاح الجو الملكي أهمية ديناميكية في الشرق الأوسط وهذا ما أراده الأمير عبد الله في بداية الثورة العربية عام 1916 ، عندما واجه الجيش الهاشمي العديد من الصعوبات. حيث كانت الطائرات التركية (التي تطير دون أدنى مقاومة في سماء الحجاز) تقصف
المعسكرات البدوية، وكان لهذا أثر على رجال القبائل، فما كان من الأمير عبد الله في ذلك الحين إلا مشاركة شعوره مع أخيه الأمير فيصل أن هنالك أهمية لتوفير دعم جوي وإلا سوف يواجهان صعوبات في الحفاظ على ولاء جنودهما غير المعتادين على هذا النوع من الحرب.
بقيت هذه الأحداث في ذاكرة الأمير عبد الله، وشكّلت الدافع الرئيسي في سعيه لتأسيس سلاح للجو في الأردن. حتى عام 1922 ، كان التحكم في نشاط القوات الجوية الملكية البريطانية في شرق الأردن يجري من فلسطين. ومع تشكيل السرب 14 لمساعدة الإمارة الجديدة،
انتقلت قيادة السلاح عام 1922 إلى عاصمة الأردن، حيث أنشئت قاعدة لسلاح الجو الملكي البريطاني في عمان، وفي عام 1931 ، أنشئت قاعدة جديدة في المفرق، كون مطار عمان صغيراً أيامها، ولا يستطيع استيعاب الطائرات الكبيرة، لذلك كانت المفرق هي القاعدة الرئيسية
للرحلات الدولية.
وخلال الحرب العالمية الثانية، بقيت قواعد سلاح الجو الملكي البريطاني في عمان والمفرق مستعدة بالكامل وجاهزة للقتال. ولم تكن هنالك حاجة إليها إلا كقواعد مؤقتة.
وبعد انتهاء الحرب، لم يعد لدى القاعدتين أسراب عملياتية، إنما بقيت قواعد مهمة على الطريق بين قبرص وفلسطين ومصر والعراق والخليج العربي.
وعندما انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين في أيار 1948 ، تم تعزيز وجود سلاح الجو الملكي البريطاني في عمان.
عَبرّ الجيش العربي في 15 أيار نهر الأردن وتموضع في كل من شرقي القدس والضفة الغربية لحمايتهما، خصوصاً أن دولة إسرائيل كانت حديثة التشكل. ولكن غياب الدعم الجوي جعل مهمة القوات الأردنية في فلسطين صعبة.
وفي الأول من حزيران 1948 ، هوجم مطار عمان من طائرة إسرائيلية بمحركين، حيث أصيبت طائرتان من طراز (آنسون) بأضرار بليغة نتيجة الضربة المباشرة على المخبأ الرئيسي. وكانت إحدى نتائج هذه الغارة أن أصبح الملك عبد الله الأول أكثر تصميماً على ضرورة
تشكيل سلاح جو أردني لا يعتمد على سلاح الجو الملكي البريطاني، وعلى ضرورة أن يكون الأردن قادراً على الدفاع عن نفسه من الجو وعلى الأرض.
وكانت الحكومة الأردنية قد اقترحت على الحكومة البريطانية إنشاء قوة جوية صغيرة، ولكن حتى عام 1948 لم يتلق كلوب باشا (الفريق السير جون كلوب، قائد الجيش العربي من 1939-1956 ) أي إجابة. وكان هنالك اقتراح بريطاني يتعلق بتدريب الأردنيين على
الطيران، وفي حزيران من ذلك العام بدأ التخطيط لقوات جوية جديدة من خلال تجنيد طيارين ومهندسين وتدريبهم.
عامر خماش أول طيار أردني
اختير الملازم عامر خماش، الذي كان يعمل في فرقة المدفعية للجيش العربي(الذي أصبح لاحقاً لواءً ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأردنية) من كلوب باشا للتدرب مع سلاح الجو الملكي البريطاني في دورة مدتها سنتين، حيث نجح الملازم خماش وتخرج ثم عاد
إلى عمان في تموز 1950.
سلاح جو الجيش العربي
في أيار 1950 ، تقرّر إنشاء رف طيران تدريبي وسرب صغير للمراقبة الجوية يتكون من ست طائرات أوسترز (طائرة استطلاع غير مسلحة). المهمة كانت محصورة بالاتصالات، ولهذا عرفت هذه النواة باسم: سلاح جو الجيش العربي ومهامه الاتصالات، المراقبة الجوية،
الاستطلاع والاستخبارات من الجو.
حتى نهاية عام 1950 ، كان لدى سلاح جو الجيش العربي طائرة واحدة من نوع دي اتش رابيد، وأربعة من نوع بيرسي?ال بروكتورز، واثنتين من نوع دي اتش تايجر موثس، واثنتان من نوع أوستر أوتوكراتس، يقودها طيارو سلاح الجو الملكي البريطاني.
في 25 أيار (عيد الاستقلال)، قام سلاح جو الجيش العربي للمرة الأولى بتقديم عرض أمام الملك عبد الله الأول في مطار عمان مستخدمين ثلاث طائرات أوستر، بقيادة النقيب خماش الذي كان أول أردني يطير بال أوستر.
وبناء على طلب من الملك عبد الله الأول، قام قائد منطقة الشرق الأوسط في سلاح الجو البريطاني بزيارة إلى عمان لمناقشة إمكانية توفير طائرات مقاتلة للقوات المسلحة الأردنية، ولكن الأمر لم يتحقق حتى عام 1955 ، حين أصبحت المقاتلات النفاثة جزء من سلاح الجو
الملكي.
ويعد يوم 19 تموز 1951 يوم ولادة سلاح الجو الملكي، رغم أنه كان يحمل اسم سلاح جو الجيش العربي حينها.
في ذلك اليوم، قلَّد الملك عبد الله الأول مع حفيده الأمير الحسين (لاحقاً الملك الحسين)، أجنحة للطيارين الأردنيين الأوائل.وكان النقيب خماش الوحيد الذي تلقى تدريباً في سلاح الجو الملكي البريطاني، فيما الآخرون تعلموا الطيران في مؤسسة مدنية أنشئت في هامبل في المملكة
المتحدة. وبعد الاحتفال افتتحت قاعدة الملك عبد الله الأول الجوية في عمان.
وفي 20 تموز من ذلك العام، اغتيل الملك عبد الله الأول في القدس وخلفه لفترة قصيرة ابنه الملك طلال، ثم حفيده الملك الحسين، الذي أصبح القوة الدافعة وراء تأسيس سلاح الجو الملكي.
مساهمات الملك الحسين الأولى
السرب السادس في سلاح الجو الملكي الذي كان متمركزاً في المفرق من آذار إلى حزيران ١٩٥٣ ، أعيد في عهد الملك الحسين إلى عمان في كانون الثاﻧﻲ ١٩٥٤ عندما افتتح الملك الحسين المدرج الجديد الذي يبلغ طوله ٢٦٠٠ متر في التاسع عشر من ذلك الشهر محلقاً
حول المطار بطائرة دوڤ ثنائية المحرك، وقامت طائرات ڤامبير في السرب السادس بتحيته، ثم قامت أربع طائرات منها باستعراض جوي احتفالاً بهذه المناسبة.
حتى عام ١٩٥٥ ، لم يتم تزويد سلاح جو الجيش العربي إلا بطائرات غير نفاثة. فرأى الملك الحسين أن الجيش العربي سيكون مكشوفاً دون دعم جوي كافٍ خاص به، لذلك كانت هنالك مبادرة منه لتوسيع سلاح الجو واقتناء طائرات نفاثة. ،( وفي أيلول ١٩٥٥ ، اشترى الأردن طائرتي ڤامبير ( ﺗﻲ - ١١) وهما طائرتا تدريب نفاثتين ﺑﻤقعدين، كمقدمة لوصول عشر طائرات ڤامبير (ف بي أم ﻛﻲ - ٩) المقاتلة، قدمتها بريطانيا هدية للأردن.
هذه الطائرات شكّلت القاعدة الرئيسية للسرب المقاتل الأول. وكانت الدورة الأولى على ال ڤامبير قد بدأت في أيلول ١٩٥٥ ، ولتحسين التدريب على التحول إلى تشبمونكس، اُستقدم ثلاثة مدربين من جامعة هارفرد موفدين من كينيا، دربوا الطيارين الأردنيين على طائرات الڤامبير.
تأسيس سلاح الجو الملكي
في ٢٥ أيلول ١٩٥٥ ، أعيد تسمية سلاح جو الجيش العربي إلى سلاح الجو الملكي ﺑﻤوجب مرسوم ملكي، واعتمد تصميم جديد هو الأجنحة على شاكلة سلاح الجو الملكي البريطاني مع إضافة التاج الملكي الأردني في المنتصف.
كما أُدخل الزي الأزرق المميز، الذي يحتفظ برتب الجيش وألقابه، في حين أن الزي الكاكي ظل يُرتدى في الصيف حتى سبعينيات القرن الماضي.
وفي نيسان ١٩٥٦ ، عرّب الحسين طيب الله ثراه القوات المسلحة الأردنية، وأصبح الرائد إبراهيم عثمان أول قائد لسلاح الجو الملكي، تحت إمرة رئيس هيئة الأركان العامة.
أردنة كاملة لسلاح الجو الملكي
بعد عملية تعريب الجيش التي قام بها الراحل الملك الحسين بن طلال أُنهيت في ١٣ آذار ١٩٥٧ المعاهدة ، البريطانية الأردنية بالاتفاق المتبادل وبحلول ٣١ أيار ١٩٥٧ أخلت القوات الجوية البريطانية كل من المفرق ومطار عمان، وسُلما للحكومة الأردنية.
شَهدَ شهر تشرين الأول ١٩٥٨ وصول أول طائرتين من اثنتي عشر طائرة من طراز "هوكر هنتر". وصلتا عمان لتشكلا مع بقية الدفعة السرب الأول "هنتر"، فيما تشكل السرب الثاني من طائرات "ڤامبير".
كان سلاح الجو الملكي البريطاني حاضراً بصفة استشارية وبفريق تدريب لإرشاد الطيارين والملاحين على متن طائرة هنتر.
في حزيران ١٩٥٩ سُلِّمت جميع المرافق إلى سلاح الجو الملكي مع وصول أول طائرة هنتر في ذلك الوقت.
وفي أواخر عام ١٩٥٩ ، طلب الأردن استبدال طائرات الڤامبير المتقادمة، بطائرات هنتر الأكثر حداثة وتطوراً وجاهزية. لكن الاستجابة لطلبه هذا لم يتحقق إلا في نيسان ١٩٦٢ ، وهو تاريخ تشكيل السرب الثاني من أجيال هنتر حديثة حطّت رحالها في قاعدة الملك الحسين الجوية في المفرق، لتحل محل الڤامبير التي أصبحت خارج الخدمة، ومع آخر رحلة لها في ١٧ نيسان، دمج السربان الأول والثاني في السرب الأول.