Page 67 - التربية الأسرية في هدي الشريعة الإسلامية
P. 67
.1تغيير العادة في المعاملة با إلقلال من اللطف والدلال :غيرَّ النبي من
�أ�سلوبه في تعامله مع زوجه عائ�شة ،ف�أخذ يعر�ض عنها ،فلم يعد يجل�س عندها،
ويكتفي بالاطمئنان على �صحتها بكلمات معدودة؛ لي�شعرها ب�أن �شيئ ًا ما قد
حدث ،فتراجع نف�سها فتكلمه ،وقد ا�ستمر على هذا النهج �شهراً كامل ًا �إلى أ�ن
عرفت عائ�شة من أ�م م�سطح الدافع الذي دفع النبي �إلى مثل هذه المعاملة� ،ألا
وهو ما ي�شاع عنها من الإفك ،تقول ر�ضي الله عنها" :فقدمنا المدينة ،فا�شتكيت
حين قدمت �شهراً ،والنا�س يفي�ضون في قول �أ�صحاب ا إلفك ،لا أ��شعر ب�شيء
من ذلك ،وهو يريبني في وجعي أ�ني لا أ�عرف من ر�سول الله اللطف الذي
كنت �أرى منه حين �أ�شتكي ،إ�نما يدخل علي ر�سول الله في�سلم ،ثم يقول:
( َك ْي َف ِتي ُك ْم؟) ،ثم ين�صرف ،فذلك يريبني ولا �أ�شعر بال�شر" ،وقد ذكر ابن حجر
بع�ض ًا من فوائد الحديث فقال" :وفيه التق�صير من ملاطفة الزوجة وح�سن
معا�شرتها ،وذلك عند إ��شاعة ما يقت�ضي النق�ص و�إن لم يتحقق ،وفائدة ذلك أ�ن
تتفطن لتغيير الحال ،فتعتذر �أو تعترف ،وفيه �إ�شارة إ�لى مراتب الهجران بالكلام
والملاطفة ،ف إ�ذا كان ال�سبب محقق ًا فيترك �أ�صل ًا ،و�إن كان مظنون ًا فيخفف ،و�إن
كان م�شكوك ًا فيه أ�و محتمل ًا فيح�سن التقليل منه ،لا للعمل بما قيل ،بل لئلا يظن
ب�صاحبه عدم المبالاة بما قيل في حقه؛ ألن ذلك من خوارم المروءة"((( ،وقال
الدكتور الأني�س" :وهذا الموقف من النبي يدل على حكمته البليغة في تعامله
مع هذا الحادث الجلل ،فهو لم يعتزلها اعتزلا ًا كل ّي ًا؛ ألن لااعتزال عقوبة
على مخالفة ،ولم تثبت �آية مخالفة ت�ستحق عليها لااعتزال والهجران ،وهو لم
((( فتح الباري ،ابن حجر ،ج.479/8
} 67 {